وعظه جميله عن الابن الضال
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
وعظه جميله عن الابن الضال
أيها القارئ العزيز قصة الابن الضال كما جاءت في الكتاب المقدس:
"وقال: "كان لانسان ابنان. فقال أصغرهما لابيه: يا أبي, أعطني الحصة التي تخصني من الميراث فقسم لهما كل ما يملكه. وبعد بضعة أيام، جمع الابن الاصغر كل ما عنده، ومضى إلى بلد بعيد. وهنالك بذّر حصته من المال في عيشة الخلاعة. ولكن لما أنفق كل شيْ, اجتاحت ذلك البلد مجاعة قاسية, فأخذ يشعر بالحاجة. فذهب والتحق بواحد من مواطني ذلك البلد. فأرسله إلى حقوله ليرعى خنازيره وكم اشتهى لو يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله فما أعطاه أحد."
"ثم رجع إلى نفسه, وقال: ما أكثر خدّام أبي المأجورين الذين يفضل عنهم الخبز, وأنا هنا أكاد أهلك جوعا! سأقوم وأرجع إلى أبي, وأقول له: يا أبي, أخطأت إلى السماء وأمامك, ولا أستحق بعد أن أدعى ابنا لك: اجعلني كواحد من خدامك المأجورين. فقام ورجع إلى أبيه. ولكن أبها رآه وهو ما زال بعيدا, فتحنن, وركض إليه وعانقه وقبّله بحرارة. فقال له الابن: يا أبي, أخطأت إلى السماء وأمامك, ولا أستحق بعد أن أدعى ابنا لك. أما الاب فقال لعبيده أحضروا سريعا أفضل ثوب وألبسوه, وضعوا في إصبعه خاتما وفي قدميه حذاء, وأحضروا العجل المسمن واذبحوه ولنأكل ونفرح: فإن ابني هذا كان ميتا فعاش, وكان ضائعا فوجد!" (لوقا 15: 11-24).
إن هذه القصة القصيرة هي إحدى أعظم القصص في العالم. في الشريعة اليهودية, لم يكن الاب حرّاً في تصرفه في أمواله, إذ كان الابن الأصغر يأخذ ثلثاً من مال أبيه ويأخذ الابن الأكبر ثلثي المال, وإذا أراد الاب أن يستريح من إدارة أمواله قبل موته, فعليه أن يوزع أمواله على أبنائه. لكن نجد في هذه القصة كم كان قاسياً على نفس الاب أن يتقدم الابن الأصغر بطلب كهذا, طالباً القسم الذي يصيبه من مال أبيه. ولم يعارض الاب بل لم يتردد, وأعطاه حصته وكما طلب, لكنه أراد بذلك أن يتعلم الابن درساً قاسياً إذا أصابه ضرر أو سوء.
والآن لنبحث في شخصية الابن الأصغر:
تاريخ الابن الأصغر هو تاريخ كل خاطئ بل هو تاريخ الخطية نفسها. وإليك بعض الأدوار في تاريخ الخطية:
نشأة الخطية (عدد1): قال الابن لأبيه "أعطني الحصة التي تخصني من الميراث." معنى هذا أن الابن الأصغر سئم العيش تحت سقف بيت أبيه, وملّ الخضوع للوصايا الأبوية, ورغب في الحرية والاستقلال والتمتع. كان هذا الصبي معجبا بنفسه مغرورا جدا بقدرته, فهو لم يثق في إدارة أبيه, حيث طلب نصيبه من المل إذ توهم أنه يمكنه إدارة أمواله أفضل من أبيه, وأنه يستطيع أن ينميه ويعمل منه ثروة أعظم, وأراد أن يكون سيّدا لنفسه.
فكأن الخطية في نشأتها هي طلب البعد عن الله, أو هي طلب الانسان ما لنفسه. ومما يؤسف له في أمر ذلك الشاب أنه لو كان فقيراً لما تمكن من هجر بيت أبيه. فكأنه استعان ببركات أبيه ليكسر وصاياه. وكثيرون في هذا العالم يتّخذون من بركات الله عليهم, سلاحاً يحاربون به الله.
قلب الخطية (عدد 13): إن الله خلقنا أحرار فإذا ما أراد الشرير أمرا, أسلمه الله لأهواء الهوان. وعندما طلب الابن الأصغر القسم الذي يصيبه من المال, أعطاه أبوه نصيبه. وبعد أيام ليست بكثيرة إذ رتب الابن كل شيء, أخذ في تنفيذ فكرته, فجمع كل شيء وسافر إلى كورة بعيدة. هذا هو قلب الخطية البعد عن الله: "ليس خوف الله قدام عيونهم" (رومية 18:3), بل هذا هو بدء قصاص الخطية. لأن الخطية تحمل معها عقابها.
تعاسة الخطية (عدد 14): يتجرع الجاهل آخر جرعة من كأس مسرّاته بغاية السرعة لانه يحرق شمعة أفراحه من جميع أطرافها. فكما ترك الابن الأصغر بيت أبيه بسرعة, كذلك أنفق كل شيء بنفس هذه السرعة, فابتدأ يحتاج, وهكذا أمسى ذلك الفتى الشقي محتاجاً بعيداً عن بيت أبيه. فقد اجتمع عليه عدوّان: فراغ الجيب, والجوع الذي حلَّ بتلك البلدة, فصار الابن بينهما كقطعة من الحديد بين المطرقة والسندان.
عبودية الخطيه (عدد 15 و16): إن الحرية التي تُقدمها الخطية هي في الواقع حرية كاذبة, وهي تشبه قطر الندى الذي يتبخر عاجلا, فسرعان ما تنقلب الحرية إلى عبودية. طلب ذلك الشاب أن يخرج من بيت أبيه طمعا في الحرية التي وعدته بها الخطية. وبعد خروجه وجد من ساعده على أن يقضي سريعا على ما كان معه إذ أنفق كل أمواله واشترى ثيابا ناعمة, وكذلك أنفق الكثير على الطعام والشراب, وسلك سلوكا فاسدا. وبعد قليل وصل إلى درجة بدأ فيها يحتاج إلى لقمة العيش, فذهب والتصق بواحد من أهل تلك الكورة ليخدمه.
وبهذا نجد كيف أخذ الابن ماله وذهب إلى كورة بعيدة تاركا وراءه بيت الاب, وهناك بدد وبذر ماله بعيش مسرف إلى أن وصلت به الحاجة إلى رعي الخنازير. لكن يسوع المسيح لم يقف في كلامه عند ذلك, بل قال أن هذا الابن ندم. عرف يسوع أن الانسان لا يستطيع أن يُمجد الله إلا بعد أن يرجع إلى الله تائبا "ورجع إلى نفسه", وبهذه العبارة التي تحمل بين حروفها كل معاني الحياة مجتمعة, أظهر يسوع أن الانسان البعيد عن الله بعيد عن نفسه, وهو لا يمكن أن يكون ما يجب أن يكون عليه, إلا عند الرجوع لبيت الاب.
نجد هنا الفرق الشاسع بين حالته الاولى وبين حالته الان بعد أن هجر بيت أبيه ساعيا وراء حرية الخطية!
سابقا كان ابنا والان صار عبدا.
سابقا كان في البيت والان صار في الحقل.
سابقا كان يأكل أفخر الطعام والان صار يشتهي الخرنوب الذي تأكله الخنازير.
سابقا كان يعاشر خيرة الناس, والان صار عشراؤه من الخنازير النجسة.
هذه هي الدرجات السفلى التي هبط إليها ذلك الشاب. إن الجوع الذي كان يعض معدة ذلك الفتى, قد اصطحبه جوع أشد, في قلبه, جوعه الروحي إلى أبيه, وإلى البيت الذي نشأ فيه.
والان انتقل الشاب من الخطية إلى التوبة عن الخطية (لوقا 15: 17-20), فالتوبة هي يقظة: "رجع إلى نفسه", فندامة فاتضاع: "لا أستحق", فرجوع الى الله: "فقام" فعزيمة: "وقال أقوم" فتنفيذ لهذه العزيمة "فقام".
وهكذا قرر الابن أن يرجع لبيت أبيه ,ان يتضرع ليُقبل كأجير وليس كإبن. إن العبد المستديم قد يُحب من العائلة, أما الأجير فينصرف من البيت في آخر النهار, ولكن الاب لم يجعل – في محبته – الفرصة سانحة ليطلب الابن هذا الطلب, إذ اندفع إليه قبل أن ينطق بشيء , اندفع إليه في شوق جارف وفرح عظيم.
لقد "رجع الابن إلى نفسه" (عدد17). تستعمل هذه العبارة لوصف المجنون بعد شفائه, والسكير بعد صحوه. وهذا يوافقه معنى "التوبة" في اللغة الأصلية, فهي "تغيير الفكر" لأن الفاقة أطاحت بجنونه, بعد أن سيطرت الخطية عليه. والان عاد إليه فكره ورجع إلى صوابه.
الخطية سالبة غادرة, لانها سلبت من ذلك الشاب نفسه الشريفة, فلما أفاق من غمرة الخطية رجع إلى نفسه, ولما زالت عنه هذه الغمامة, حنَّ إلى بيت أبيه وإلى وفرة الغنى الذي كان فيه فقال في نفسه:"كم من أجير لابي يفضل عنه الخبز", وذكر حالته التعسة, فقال: "وأنا أهلك جوعاً."
هنا تبدأ قوة عزيمته في الظهور "أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له يا أبي أخطأت" (عدد18و19). لو اكتفى الشاب بالخطوة الاولى, لماتت فيه تلك الفكرة الحسنة, لأن الفكرة إن لم تتحول إلى عزيمة, صارت بخارا. كانت هذه العزيمة تحتوي على:
ثقة: "أرجع لابي وأقول له يا أبي", فمع أنه خرج من بيت أبيه لكنه لم يخرج بعد عن بنوته لابيه. فمع أنه صار ابنا ضالاً, لكنه لم يزل بعد ابنا.
اعترافا: "أخطأت إلى السماء وأمامك" القول "أخطأت إلى السماء" تعبير عبري معناه أخطأت إلى الله.
تذللاً: "لا أستحق بعد أن أدعى ابنا لك", بعد أن استنفذ الشاب حقوقه التي أتاحها له الناموس أو الشريعة, التجأ الان إلى باب النعمة: "لست مستحقا".
الخطوة النهائية التي اتخذها هذا الفتى هي تنفيذ العزيمة "فقام وجاء إلى أبيه". هذا هو عمل الايمان, بل هذه هي المعركة الأخيرة الفاصلة, وقد خرج منها ذلك الفتى منتصراً ظافراً.
قد تتبخر محبة الابن لأبيه, فتصير هباء, لكن محبة الاب لابنه ملتهبة على الدوام.
والان لنلق نظرة إلى شخصية الاب المحب (15: 20-24):
عين المحبة الابوية: "وإذ كان لم يزل بعيداً رآه". إن عين المحبة أقوى من عين الشر. هي العين الساهرة المنتظرة, التي ترى كل شيء من بعيد. فإذ رأى الوالد ابنه من بعيد ميّز ملامحه بالرغم مما علاه من الاضمحلال.
قلب المحبة الأبوية: "تحنن" (عدد20), كان لهذا الحنان باعثان: أولهما العاطفة الابوية وثانيهما الحال التعيسة التي وصل إليها الولد.
أقدام المحبة: سواء كانت خطوات الابن متثاقلة أو مسرعة إلاّ أن خطوات المحبة الابوية واسعة سريعة. وهكذا الله قد يتأنى في كل شيء إلاّ في ملاقاة الانسان التائب, والترحيب به.
لغة المحبة: "وقع على عنقه وقبّله." ذكر لنا المسيح شيئا عن كلام الابن لابيه لكنه لم يذكر شيئا عن كلام الاب لابنه. في الحقيقة إن الاب استعان بالقبلات عوضا عن الكلمات. واستبدل التعبيرات بالعبرات, فعبرت الاجفان عما عجز عنه اللسان. الكلمة "قبّله" تعني في الاصل "عمره بالقبلات". كل هذا قد فعله الاب, والابن لا يزال في خطاياه. ذلك لان الاب لم يقبل خطايا الابن بل قبل الابن نفسه. حقا, إن الابن أخذ في الاعتراف لابيه, لكن أباه لم يمهله حتى يكمل الاعتراف نجد هنا في محبة الاب قبولا وغفرانا تاما لابنه.
عطايا المحبة: (عدد 22) أمر الاب عبيده بأن يخرجوا الحلة الاولى – وهذه ترمز إلى ثوب البر وهي أيضا دليل الشرف والعزة. "الخاتم" هو رمز السلطة المطلقة, لان الذي يعطي خاتمه لاخر فقد جعل منه وكيلاً مفوضا, وكذلك رمز البنوة الدائمة. "الحذاء" يرمز إلى استعداد للحياة الجديدة التي سيحياها فيما بعد "حاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام", وهي دلالة على الحرية المباركة وإلى السلوك الجديد الذي يناسب المؤمن الجديد. "الوليمة" ترمز إلى الفرح الدائم الفياض, من فرط سرور الاب بعودة ابنه, لم يستطع أن يؤجل الوليمة لوقت آخر.
نجد في سلوك الاب ومحبته الفائقة لابنه الحقائق المهمة التالية:
لا نقول ثانية أن هذا المثل هو "مثل الابن الضال", لان الابن ليس بطل القصة بل نقول: "مثل الاب المحب", إذ أن المثل يُخبرنا عن محبة الاب أكثر من خطية الابن.
كما أن هذا المثل يظهر غفران الاب, فقد كان الاب – رغم كل ما حدث – يتوقع رجوع ابنه بل ينتظره بلهف وشوق لذلك رآه من بعيد, وغفر له عندما رجع ولم يعامله كعمله. وقد كانت طريقة الغفران كهبة أو منحة أبوية شاملة, أما الناس فإنهم يقابلون مساوئ الغير بأخرى أشد وأدهى وأشرّ.
كان تقدير الابن الضال لمحبة أبيه وكل ما كان يتوقعه من أبيه هو أن يجعله كأحد أجراه (خدمه) لكن الاب أعلن إعلاناً جديداً إذ قال: "ابني هذا كان ميتاً فعاش". في هذا المثل نستطيع أن نشبه محبة الاب لابنه بمحبة الله لنا نحن البشر. أمّا الابن الاصغر فهو أنت وأنا.
أيها القاريء العزيز، هل تعيش حياة الحرمان من عطايا ونِعَم الله التي أعدّها لك؟ لماذا تأكل النفايات والطعام الذي لا تستحقه؟ هل استبدلت عطايا الله العظيمة لك بقذرات وشهوات هذا العالم الزائل، وجنيت من هذا العالم شهوات المال والملذات الفانية بدلاً من خلاص الله ورحمته الذين يمنحهما لك؟ بمن تشبّه نفسك حسب هذا المثل، هل أنت ذلك الابن التائب الراجع لأبيه طالباً القبول لديه؟ هل تقبل أن تكون ابنا لله؟ نحن نفرح إذ يعتبرنا الله أولاداً له وهو أبونا السماوي. أي ميزة عظيمة لنا لأن نعتبر الله "أبانا..!" دعونا ان لا ننسى أننا لو كنا حقيقة أولاد الله وجب أن تكون لنا أفكار وصفات الله. وعلى أعمالنا أن تشبه أفكار ووصايا أبونا السماوي.
وكما رحّب الاب المحب بابنه عند عودته تائباً إلى بيت أبيه، هكذا يرحب الله، أبانا السماوي، بكل من يأتي إليه تائباً طالباً الغفران والقبول لديه على أساس موت المسيح بدلاً عنه دافعاً ثمن خطاياه لأنّ المسيح هو الذبح العظيم الذي يفدي البشرية.
إن الله يحب الجميع، صالحين أم طالحين، وهو في انتظار كل منا لنعود إليه تائبين لنسلك في طرقه، ولنعيش حسب وصاياه المقدسة.
هل هناك رجاء لنا في الحصول عاى القبول لدى الله الآب؟ لا شك، فكما يحب الآب السماوي الابناء المطيعين فهو كذلك يحب التائهين الغير مطيعين. فإن جئت إليه في أمانة وتواضع، كما فعل الابن الأصغر، طالباً منه الغفران لخطاياك، فإنه يقبلك بفرح عظيم ويغسلك من خطاياك ويمنحك روحه القدوس وسلامه الدائم. السلام الذي لا يستطيع العالم ولا الاشياء التي في العالم أن يمنحه لك. وبذلك تحصل على الميلاد الجديد وتصبح بالحقيقة ابناً لله. إذ يمتلئ قلبك بمحبة الله وتعيش حياتك تحت ظل عنايته الالهية.
اذكرونى في صلواتكم
"وقال: "كان لانسان ابنان. فقال أصغرهما لابيه: يا أبي, أعطني الحصة التي تخصني من الميراث فقسم لهما كل ما يملكه. وبعد بضعة أيام، جمع الابن الاصغر كل ما عنده، ومضى إلى بلد بعيد. وهنالك بذّر حصته من المال في عيشة الخلاعة. ولكن لما أنفق كل شيْ, اجتاحت ذلك البلد مجاعة قاسية, فأخذ يشعر بالحاجة. فذهب والتحق بواحد من مواطني ذلك البلد. فأرسله إلى حقوله ليرعى خنازيره وكم اشتهى لو يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله فما أعطاه أحد."
"ثم رجع إلى نفسه, وقال: ما أكثر خدّام أبي المأجورين الذين يفضل عنهم الخبز, وأنا هنا أكاد أهلك جوعا! سأقوم وأرجع إلى أبي, وأقول له: يا أبي, أخطأت إلى السماء وأمامك, ولا أستحق بعد أن أدعى ابنا لك: اجعلني كواحد من خدامك المأجورين. فقام ورجع إلى أبيه. ولكن أبها رآه وهو ما زال بعيدا, فتحنن, وركض إليه وعانقه وقبّله بحرارة. فقال له الابن: يا أبي, أخطأت إلى السماء وأمامك, ولا أستحق بعد أن أدعى ابنا لك. أما الاب فقال لعبيده أحضروا سريعا أفضل ثوب وألبسوه, وضعوا في إصبعه خاتما وفي قدميه حذاء, وأحضروا العجل المسمن واذبحوه ولنأكل ونفرح: فإن ابني هذا كان ميتا فعاش, وكان ضائعا فوجد!" (لوقا 15: 11-24).
إن هذه القصة القصيرة هي إحدى أعظم القصص في العالم. في الشريعة اليهودية, لم يكن الاب حرّاً في تصرفه في أمواله, إذ كان الابن الأصغر يأخذ ثلثاً من مال أبيه ويأخذ الابن الأكبر ثلثي المال, وإذا أراد الاب أن يستريح من إدارة أمواله قبل موته, فعليه أن يوزع أمواله على أبنائه. لكن نجد في هذه القصة كم كان قاسياً على نفس الاب أن يتقدم الابن الأصغر بطلب كهذا, طالباً القسم الذي يصيبه من مال أبيه. ولم يعارض الاب بل لم يتردد, وأعطاه حصته وكما طلب, لكنه أراد بذلك أن يتعلم الابن درساً قاسياً إذا أصابه ضرر أو سوء.
والآن لنبحث في شخصية الابن الأصغر:
تاريخ الابن الأصغر هو تاريخ كل خاطئ بل هو تاريخ الخطية نفسها. وإليك بعض الأدوار في تاريخ الخطية:
نشأة الخطية (عدد1): قال الابن لأبيه "أعطني الحصة التي تخصني من الميراث." معنى هذا أن الابن الأصغر سئم العيش تحت سقف بيت أبيه, وملّ الخضوع للوصايا الأبوية, ورغب في الحرية والاستقلال والتمتع. كان هذا الصبي معجبا بنفسه مغرورا جدا بقدرته, فهو لم يثق في إدارة أبيه, حيث طلب نصيبه من المل إذ توهم أنه يمكنه إدارة أمواله أفضل من أبيه, وأنه يستطيع أن ينميه ويعمل منه ثروة أعظم, وأراد أن يكون سيّدا لنفسه.
فكأن الخطية في نشأتها هي طلب البعد عن الله, أو هي طلب الانسان ما لنفسه. ومما يؤسف له في أمر ذلك الشاب أنه لو كان فقيراً لما تمكن من هجر بيت أبيه. فكأنه استعان ببركات أبيه ليكسر وصاياه. وكثيرون في هذا العالم يتّخذون من بركات الله عليهم, سلاحاً يحاربون به الله.
قلب الخطية (عدد 13): إن الله خلقنا أحرار فإذا ما أراد الشرير أمرا, أسلمه الله لأهواء الهوان. وعندما طلب الابن الأصغر القسم الذي يصيبه من المال, أعطاه أبوه نصيبه. وبعد أيام ليست بكثيرة إذ رتب الابن كل شيء, أخذ في تنفيذ فكرته, فجمع كل شيء وسافر إلى كورة بعيدة. هذا هو قلب الخطية البعد عن الله: "ليس خوف الله قدام عيونهم" (رومية 18:3), بل هذا هو بدء قصاص الخطية. لأن الخطية تحمل معها عقابها.
تعاسة الخطية (عدد 14): يتجرع الجاهل آخر جرعة من كأس مسرّاته بغاية السرعة لانه يحرق شمعة أفراحه من جميع أطرافها. فكما ترك الابن الأصغر بيت أبيه بسرعة, كذلك أنفق كل شيء بنفس هذه السرعة, فابتدأ يحتاج, وهكذا أمسى ذلك الفتى الشقي محتاجاً بعيداً عن بيت أبيه. فقد اجتمع عليه عدوّان: فراغ الجيب, والجوع الذي حلَّ بتلك البلدة, فصار الابن بينهما كقطعة من الحديد بين المطرقة والسندان.
عبودية الخطيه (عدد 15 و16): إن الحرية التي تُقدمها الخطية هي في الواقع حرية كاذبة, وهي تشبه قطر الندى الذي يتبخر عاجلا, فسرعان ما تنقلب الحرية إلى عبودية. طلب ذلك الشاب أن يخرج من بيت أبيه طمعا في الحرية التي وعدته بها الخطية. وبعد خروجه وجد من ساعده على أن يقضي سريعا على ما كان معه إذ أنفق كل أمواله واشترى ثيابا ناعمة, وكذلك أنفق الكثير على الطعام والشراب, وسلك سلوكا فاسدا. وبعد قليل وصل إلى درجة بدأ فيها يحتاج إلى لقمة العيش, فذهب والتصق بواحد من أهل تلك الكورة ليخدمه.
وبهذا نجد كيف أخذ الابن ماله وذهب إلى كورة بعيدة تاركا وراءه بيت الاب, وهناك بدد وبذر ماله بعيش مسرف إلى أن وصلت به الحاجة إلى رعي الخنازير. لكن يسوع المسيح لم يقف في كلامه عند ذلك, بل قال أن هذا الابن ندم. عرف يسوع أن الانسان لا يستطيع أن يُمجد الله إلا بعد أن يرجع إلى الله تائبا "ورجع إلى نفسه", وبهذه العبارة التي تحمل بين حروفها كل معاني الحياة مجتمعة, أظهر يسوع أن الانسان البعيد عن الله بعيد عن نفسه, وهو لا يمكن أن يكون ما يجب أن يكون عليه, إلا عند الرجوع لبيت الاب.
نجد هنا الفرق الشاسع بين حالته الاولى وبين حالته الان بعد أن هجر بيت أبيه ساعيا وراء حرية الخطية!
سابقا كان ابنا والان صار عبدا.
سابقا كان في البيت والان صار في الحقل.
سابقا كان يأكل أفخر الطعام والان صار يشتهي الخرنوب الذي تأكله الخنازير.
سابقا كان يعاشر خيرة الناس, والان صار عشراؤه من الخنازير النجسة.
هذه هي الدرجات السفلى التي هبط إليها ذلك الشاب. إن الجوع الذي كان يعض معدة ذلك الفتى, قد اصطحبه جوع أشد, في قلبه, جوعه الروحي إلى أبيه, وإلى البيت الذي نشأ فيه.
والان انتقل الشاب من الخطية إلى التوبة عن الخطية (لوقا 15: 17-20), فالتوبة هي يقظة: "رجع إلى نفسه", فندامة فاتضاع: "لا أستحق", فرجوع الى الله: "فقام" فعزيمة: "وقال أقوم" فتنفيذ لهذه العزيمة "فقام".
وهكذا قرر الابن أن يرجع لبيت أبيه ,ان يتضرع ليُقبل كأجير وليس كإبن. إن العبد المستديم قد يُحب من العائلة, أما الأجير فينصرف من البيت في آخر النهار, ولكن الاب لم يجعل – في محبته – الفرصة سانحة ليطلب الابن هذا الطلب, إذ اندفع إليه قبل أن ينطق بشيء , اندفع إليه في شوق جارف وفرح عظيم.
لقد "رجع الابن إلى نفسه" (عدد17). تستعمل هذه العبارة لوصف المجنون بعد شفائه, والسكير بعد صحوه. وهذا يوافقه معنى "التوبة" في اللغة الأصلية, فهي "تغيير الفكر" لأن الفاقة أطاحت بجنونه, بعد أن سيطرت الخطية عليه. والان عاد إليه فكره ورجع إلى صوابه.
الخطية سالبة غادرة, لانها سلبت من ذلك الشاب نفسه الشريفة, فلما أفاق من غمرة الخطية رجع إلى نفسه, ولما زالت عنه هذه الغمامة, حنَّ إلى بيت أبيه وإلى وفرة الغنى الذي كان فيه فقال في نفسه:"كم من أجير لابي يفضل عنه الخبز", وذكر حالته التعسة, فقال: "وأنا أهلك جوعاً."
هنا تبدأ قوة عزيمته في الظهور "أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له يا أبي أخطأت" (عدد18و19). لو اكتفى الشاب بالخطوة الاولى, لماتت فيه تلك الفكرة الحسنة, لأن الفكرة إن لم تتحول إلى عزيمة, صارت بخارا. كانت هذه العزيمة تحتوي على:
ثقة: "أرجع لابي وأقول له يا أبي", فمع أنه خرج من بيت أبيه لكنه لم يخرج بعد عن بنوته لابيه. فمع أنه صار ابنا ضالاً, لكنه لم يزل بعد ابنا.
اعترافا: "أخطأت إلى السماء وأمامك" القول "أخطأت إلى السماء" تعبير عبري معناه أخطأت إلى الله.
تذللاً: "لا أستحق بعد أن أدعى ابنا لك", بعد أن استنفذ الشاب حقوقه التي أتاحها له الناموس أو الشريعة, التجأ الان إلى باب النعمة: "لست مستحقا".
الخطوة النهائية التي اتخذها هذا الفتى هي تنفيذ العزيمة "فقام وجاء إلى أبيه". هذا هو عمل الايمان, بل هذه هي المعركة الأخيرة الفاصلة, وقد خرج منها ذلك الفتى منتصراً ظافراً.
قد تتبخر محبة الابن لأبيه, فتصير هباء, لكن محبة الاب لابنه ملتهبة على الدوام.
والان لنلق نظرة إلى شخصية الاب المحب (15: 20-24):
عين المحبة الابوية: "وإذ كان لم يزل بعيداً رآه". إن عين المحبة أقوى من عين الشر. هي العين الساهرة المنتظرة, التي ترى كل شيء من بعيد. فإذ رأى الوالد ابنه من بعيد ميّز ملامحه بالرغم مما علاه من الاضمحلال.
قلب المحبة الأبوية: "تحنن" (عدد20), كان لهذا الحنان باعثان: أولهما العاطفة الابوية وثانيهما الحال التعيسة التي وصل إليها الولد.
أقدام المحبة: سواء كانت خطوات الابن متثاقلة أو مسرعة إلاّ أن خطوات المحبة الابوية واسعة سريعة. وهكذا الله قد يتأنى في كل شيء إلاّ في ملاقاة الانسان التائب, والترحيب به.
لغة المحبة: "وقع على عنقه وقبّله." ذكر لنا المسيح شيئا عن كلام الابن لابيه لكنه لم يذكر شيئا عن كلام الاب لابنه. في الحقيقة إن الاب استعان بالقبلات عوضا عن الكلمات. واستبدل التعبيرات بالعبرات, فعبرت الاجفان عما عجز عنه اللسان. الكلمة "قبّله" تعني في الاصل "عمره بالقبلات". كل هذا قد فعله الاب, والابن لا يزال في خطاياه. ذلك لان الاب لم يقبل خطايا الابن بل قبل الابن نفسه. حقا, إن الابن أخذ في الاعتراف لابيه, لكن أباه لم يمهله حتى يكمل الاعتراف نجد هنا في محبة الاب قبولا وغفرانا تاما لابنه.
عطايا المحبة: (عدد 22) أمر الاب عبيده بأن يخرجوا الحلة الاولى – وهذه ترمز إلى ثوب البر وهي أيضا دليل الشرف والعزة. "الخاتم" هو رمز السلطة المطلقة, لان الذي يعطي خاتمه لاخر فقد جعل منه وكيلاً مفوضا, وكذلك رمز البنوة الدائمة. "الحذاء" يرمز إلى استعداد للحياة الجديدة التي سيحياها فيما بعد "حاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام", وهي دلالة على الحرية المباركة وإلى السلوك الجديد الذي يناسب المؤمن الجديد. "الوليمة" ترمز إلى الفرح الدائم الفياض, من فرط سرور الاب بعودة ابنه, لم يستطع أن يؤجل الوليمة لوقت آخر.
نجد في سلوك الاب ومحبته الفائقة لابنه الحقائق المهمة التالية:
لا نقول ثانية أن هذا المثل هو "مثل الابن الضال", لان الابن ليس بطل القصة بل نقول: "مثل الاب المحب", إذ أن المثل يُخبرنا عن محبة الاب أكثر من خطية الابن.
كما أن هذا المثل يظهر غفران الاب, فقد كان الاب – رغم كل ما حدث – يتوقع رجوع ابنه بل ينتظره بلهف وشوق لذلك رآه من بعيد, وغفر له عندما رجع ولم يعامله كعمله. وقد كانت طريقة الغفران كهبة أو منحة أبوية شاملة, أما الناس فإنهم يقابلون مساوئ الغير بأخرى أشد وأدهى وأشرّ.
كان تقدير الابن الضال لمحبة أبيه وكل ما كان يتوقعه من أبيه هو أن يجعله كأحد أجراه (خدمه) لكن الاب أعلن إعلاناً جديداً إذ قال: "ابني هذا كان ميتاً فعاش". في هذا المثل نستطيع أن نشبه محبة الاب لابنه بمحبة الله لنا نحن البشر. أمّا الابن الاصغر فهو أنت وأنا.
أيها القاريء العزيز، هل تعيش حياة الحرمان من عطايا ونِعَم الله التي أعدّها لك؟ لماذا تأكل النفايات والطعام الذي لا تستحقه؟ هل استبدلت عطايا الله العظيمة لك بقذرات وشهوات هذا العالم الزائل، وجنيت من هذا العالم شهوات المال والملذات الفانية بدلاً من خلاص الله ورحمته الذين يمنحهما لك؟ بمن تشبّه نفسك حسب هذا المثل، هل أنت ذلك الابن التائب الراجع لأبيه طالباً القبول لديه؟ هل تقبل أن تكون ابنا لله؟ نحن نفرح إذ يعتبرنا الله أولاداً له وهو أبونا السماوي. أي ميزة عظيمة لنا لأن نعتبر الله "أبانا..!" دعونا ان لا ننسى أننا لو كنا حقيقة أولاد الله وجب أن تكون لنا أفكار وصفات الله. وعلى أعمالنا أن تشبه أفكار ووصايا أبونا السماوي.
وكما رحّب الاب المحب بابنه عند عودته تائباً إلى بيت أبيه، هكذا يرحب الله، أبانا السماوي، بكل من يأتي إليه تائباً طالباً الغفران والقبول لديه على أساس موت المسيح بدلاً عنه دافعاً ثمن خطاياه لأنّ المسيح هو الذبح العظيم الذي يفدي البشرية.
إن الله يحب الجميع، صالحين أم طالحين، وهو في انتظار كل منا لنعود إليه تائبين لنسلك في طرقه، ولنعيش حسب وصاياه المقدسة.
هل هناك رجاء لنا في الحصول عاى القبول لدى الله الآب؟ لا شك، فكما يحب الآب السماوي الابناء المطيعين فهو كذلك يحب التائهين الغير مطيعين. فإن جئت إليه في أمانة وتواضع، كما فعل الابن الأصغر، طالباً منه الغفران لخطاياك، فإنه يقبلك بفرح عظيم ويغسلك من خطاياك ويمنحك روحه القدوس وسلامه الدائم. السلام الذي لا يستطيع العالم ولا الاشياء التي في العالم أن يمنحه لك. وبذلك تحصل على الميلاد الجديد وتصبح بالحقيقة ابناً لله. إذ يمتلئ قلبك بمحبة الله وتعيش حياتك تحت ظل عنايته الالهية.
اذكرونى في صلواتكم
بنت الام ساره- رافع صليبى فوق راسى
- عدد المساهمات : 2885
تاريخ التسجيل : 10/07/2009
رد: وعظه جميله عن الابن الضال
ههههههههههههههههه والنعمه مش هقرى بس دا عايزلو اسبوعيييييييييين علشان اخلصو ثم مش مكبره الكلام ليه ولا علشان الموضوع يبان صغير هههههههههههه ماشى ماشى
رد: وعظه جميله عن الابن الضال
ههههههههههههههههههههههههههههههه ماااااشي ما انا عارفه انك مش بتقرا اساسا ههههههه على العموم ميرسي ع مرورك
بنت الام ساره- رافع صليبى فوق راسى
- عدد المساهمات : 2885
تاريخ التسجيل : 10/07/2009
مواضيع مماثلة
» وعظه الديان العادل لقداسه البابا شنوده الثالث
» قصه حب جميله جدا وابكتنى جدا جدا
» قصه جميله جداااااا
» لعبه جميله
» كلمات جميله اوي
» قصه حب جميله جدا وابكتنى جدا جدا
» قصه جميله جداااااا
» لعبه جميله
» كلمات جميله اوي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى